كتب الأستاذ عمرو خالد في جريدة المصري اليوم بتاريخ 7 سبتنمبر 2008 مقالة بعنوان "أعرف نفسك"
(١)
أي نفس من النفوس أنت؟ هل أنت تعرف نفسك جيداً؟ هل تعرف مشاكلها وأمراضها وعيوبها؟ هل تعرف نقاط القوة والضعف في نفسك؟ هل أنت أصلاً مهتم بالتعرف علي نفسك.. علي ذاتك؟ أنت تعرف موديل سيارتك جيداً، لكن هل يعقل أن تعرف موديل سيارتك ولا تعرف حقيقة نفسك؟!
أنت تهتم بمظهرك، أناقتك، ملابسك، شكلك، لكن ماذا عن أعماقك؟
وإذا مرض أي عضو في جسدك تسارع بعلاجه، لكن ماذا إذا مرضت نفسك بمرض الكِبْر مثلاً أو الغرور أو الطمع أو العند أو سرعة الغضب أو البخل؟
إن العين تمرض ومرضها العجز عن الرؤية، والقدم تمرض ومرضها العجز عن الحركة، ولكن النفس أيضاً تمرض ومرضها فقدان القدرة علي الحب، ومرضها الكراهية للآخر والأنانية والكِبْر والطمع.
هل آن الأوان أن تهتم بمعرفة نفسك.. رمضان يساعدك علي ذلك.. كيف؟
كلنا نستمع إلي حديث الرسول: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين)، وكنت أتساءل كثيراً بيني وبين نفسي، لماذا تسلسل الشياطين في رمضان؟
ثم أدركت بعد فترة ما يقوله علماء الرياضيات، من أنك إذ أردت أن تحل أي معادلة يجب أن يكون فيها مجهول واحد فقط، وإن وجود أكثر من مجهول في المعادلة نفسها يجعل حلها صعباً للغاية،
وبالفكرة نفسها إذا كان الشيطان يوسوس للإنسان بالشر وكانت النفس تأمر بالسوء فإن من الصعب عليه أن يحدد من السبب في مشاكله،
فكان من رحمة الله بالإنسان في رمضان أن تسلسل الشياطين، ليبقي أمامه طوال شهر كامل مجهول واحد فقط هو «النفس»، فيسهل أن يتعرف علي نقاط ضعفها ويعالج أسباب فشلها، ليبدأ في بنائها من جديد وينتقل بها من نفس أمارة بالسوء، إلي نفس لوامة، إلي نفس مطمئنة.
إن من رحمة الله بنا في رمضان أنه يعينك علي أن تتعرف علي نفسك.. علي ذاتك بسهولة ويسر، وكأنها مكشوفة أمامك، وكأنه يقول لك قد سلسلت لك الشياطين لمدة شهر رمضان فكن قوي النفس، فإن أبيت إلا الطمع أو الغضب أو الكِبْر أو التعالي علي البسطاء أو الأنانية وقهر الضعفاء أو الجشع، فاعلم أن نفسك مريضة وأن الداء فيك أنت، وأنك تحتاج لترميم وعلاج من الداخل.
(٢)
اجلس أمام مرآة نفسك وانظر فيها.. بشكل واضح وصريح..إياك أن تهرب من مواجهة نفسك بعيوبها.. معقول وصلت لهذا الضعف والخوف حتي من مواجهة نفسك وأنت وحدك؟ هل أنت هارب حتي من نفسك ؟ ليس لديك وقت في زحمة الحياة ودوامة الحياة لكي تجلس مع نفسك ولو ساعة في شهر رمضان لتواجهها..
إذا كنت تهرب من مواجهة نفسك، فأنت ضعيف للغاية..أما إن لم يكن لديك وقت، فأنت تذكرني بهذا الذي قرر السفر من القاهرة إلي الإسكندرية بسيارته.. فقالوا له ليس لديك بنزين، فرد عليهم أنا مستعجل، ليس عندي وقت لأضع البنزين.. في النهاية وقفت السيارة تماماً، أو قل تحطمت النفس تماماً.
(٣)
بمناسبة أن تجلس أمام مرآة نفسك لتواجهها، تذكرت دعاء لرسول الله، أنه كان إذا وقف أمام المرآة يقول «اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي» هو يلفت نظرك بهذا الدعاء الرقيق لشيء عميق.. اهتم بداخلك أكثر مما تهتم بمظهرك الخارجي.
كلنا يقف أمام المرآة ويركز علي الوجه والشعر، لكن النبي يلفت نظرك لمعني، إياك أن يلهيك مظهرك الخارجي عن الاهتمام بداخلك.. بذاتك.. بنفسك.
ستيفن كوفي، خبير من خبراء الإدارة العالميين، يقول: إن النفس تشبه جبل الجليد، وجبل الجليد يكون ٢٠% منه فوق سطح البحر و٨٠% منه تحت سطح البحر، وسر تماسك قوة الـ ٢٠ % فوق البحر هو أن هناك أصلاً ٨٠% تحت البحر، ثم يتابع فيقول: لكن للأسف فإن أغلب الناس يركز علي شكله الخارجي وهو أصلاً ٢٠% فقط، بينما سر نجاحه يكمن في الـ ٨٠% التي هي قوة نفسه. ما يقوله ستيفن كوفي ليس بجديد فقد علمنا إياه النبي بدعاء يتكرر عند كل نظر في المرآة، حتي يرسخ في العقل الباطن لكل منا «اللهم فكما حسنت خَلقي فحسن خُلقي».
والخلاصة.. رمضان فرصة لتكتشف نفسك وتواجهها بهدوء وتبنيها من جديد وترمم ما صدع منها وترد إليها حيويتها.. فإذا انتهي رمضان وفكت الشياطين من سلاسلها فوجئت بإنسان جديد قوي النفس، قادر علي مقاومة الشر والطمع والجبن والكِبْر والأنانية لأنه ركز خلال رمضان علي بناء الـ ٨٠%.
ملاحظة: إن بداية كل نهضة حدثت في التاريخ جيل يحمل نفوساً قوية، ولم تعرف البشرية شعباً من الشعوب حقق تنمية اقتصادية إلا سبقها بناء لمنظومة من القيم تغرس في نفوس هذا الشعب.. بناء النفوس أولي خطوات النهضة.
من فضلك اعرف نفسك في رمضان.